فصل: بَابُ إجَارَةِ الرَّاعِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المبسوط



.بَابُ إجَارَةِ الْحَمَّامَاتِ:

(قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ ذُكِرَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُقْبَةَ قَالَ: قَدِمَتْ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَأَلَنِي عَنْ مَالِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ لِي غِلْمَانًا حَجَّامِينَ لَهُمْ غَلَّةٌ وَحَمَّامًا لَهُ غَلَّةٌ فَكَرِهَ لِي غَلَّةَ الْحَجَّامِينَ وَغَلَّةَ الْحَمَّامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ، فَأَمَّا غَلَّةُ الْحَمَّامِ فَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ) قَالُوا الْحَمَّامُ بَيْتُ الشَّيْطَانِ فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «شَرَّ بَيْتٍ، تُكْشَفُ فِيهِ الْعَوْرَاتُ، وَتُصَبُّ فِيهِ الْغُسَالَاتُ وَالنَّجَاسَاتُ»، وَمِنْهُمْ مَنْ فَصَلَ بَيْنَ حَمَّامِ الرِّجَالِ وَحَمَّامَ النِّسَاءِ فَقَالُوا: يُكْرَهُ اتِّخَاذُ حَمَّامِ النِّسَاءَ لِأَنَّهُنَّ مُنِعْنَ مِنْ الْخُرُوجِ وَأُمِرْنَ بِالْقَرَارِ فِي الْبُيُوتِ، وَاجْتِمَاعُهُنَّ قَلَّمَا يَخْلُو عَنْ فِتْنَةٍ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ نِسَاءً دَخَلْنَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ: أَنَتُنَّ مِنْ اللَّاتِي يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَ وَأَمَرَتْ بِإِخْرَاجِهِنَّ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاِتِّخَاذِ الْحَمَّامِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ خُصُوصًا فِي دِيَارِنَا وَالْحَاجَةُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ أَظْهَرُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَحْتَاجُ إلَى الِاغْتِسَالِ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْجَنَابَةِ وَلَا تَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا فِي الْأَنْهَارِ وَالْحِيَاضِ كَمَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ الرَّجُلُ وَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ بِهِ مَعْنَى الزِّينَةِ بِإِزَالَةِ الدَّرَنِ وَحَاجَةُ النِّسَاءِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الزِّينَةِ أَكْثَرُ وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَ حَمَّامَ الْجُحْفَةِ» وَتَأْوِيلُ مَا رُوِيَ مِنْ كَرَاهَةِ الدُّخُولِ إذَا كَانَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ، فَأَمَّا بَعْدَ السَّتْرِ فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي غَلَّةِ الْحَمَّامِ كَمَا لَا كَرَاهَةَ فِي غَلَّةِ الدُّورِ وَالْحَوَانِيتِ.
وَإِذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ حَمَّامًا مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ شَرْعًا فَإِنْ كَانَ حَمَّامًا لِلرِّجَالِ وَحَمَّامًا لِلنِّسَاءِ وَقَدْ جَدَّدَهُمَا جَمِيعًا فَسُمِّيَ فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ حَمَّامًا فَهُوَ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا وَاحِدًا فَإِنَّ النَّكِرَةَ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ وَلَا يَدْرِي أَيَّهُمَا اسْتَأْجَرَ وَهُمَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْمَقْصُودِ فَتَتَمَكَّنُ الْمُنَازَعَةُ بِسَبَبِ هَذِهِ الْجَهَالَةِ، وَلَكِنِّي أَدَّعِي الْقِيَاسَ وَأُجِيزُ لَهُ الْحَمَّامَيْنِ جَمِيعًا لَعُرْفِ اللِّسَانِ؛ فَإِنَّهُ يُقَالُ: حَمَّامُ فُلَانٍ وَهُمَا حَمَّامَانِ وَالْمَعْرُوفُ بِالْعُرْفِ كَالْمَشْرُوطِ بِالنَّصِّ وَعِمَارَةُ الْحَمَّامِ فِي صَارُوجِهِ وَحَوْضِهِ وَمَسِيلِ مَائِهِ وَإِصْلَاحِ قِدْرِهِ عَلَى رَبِّ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ بِالْحَمَّامِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَعَلَى الْمُؤَاجِرِ أَنْ يُمَكِّنَ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِمَا أَجَّرَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُهُ وَلِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي هَذَا إلَى الْعُرْفِ وَفِي الْعُرْفِ صَاحِبُ الْحَمَّامِ هُوَ الَّذِي يُحَصِّلُ هَذِهِ الْأَعْمَالَ فَإِنْ اشْتَرَطَ الْمَرَمَّةَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الْمَرَمَّةَ عَلَى الْآخَر فَهَذَا شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، ثُمَّ الْمَشْرُوطُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ ذَلِكَ أَجْرُهُ وَهُوَ مَجْهُولُ الْمِقْدَارِ وَالْجِنْسِ وَالصِّفَةِ وَجَهَالَةُ الْأُجْرَةِ تُفْسِدُ الْإِجَارَةَ وَلَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ رَبُّ الْحَمَّامِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ شَهْرٍ لِمَرَمَّتِهِ مَعَ الْأُجْرَةِ وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَهَا عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومُ الْمِقْدَارِ، وَقَدْ جَعَلَهُ نَائِبًا عَنْ نَفْسِهِ فِي إنْفَاقِهِ عَلَى مِلْكِهِ فَبِهَذَا يَسْتَدِلُّ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مَسْأَلَةِ كِتَابِ الْبُيُوعِ إذَا قَالَ لِمَدِينِهِ أُسَلِّمُ مَالِي عَلَيْكَ فَإِنَّ هُنَاكَ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُ مَنْ يَشْتَرِي مِنْهُ مَا يَرُمُّ بِهِ الْحَمَّامَ وَمَنْ يَسْتَأْجِرُهُ لِذَلِكَ وَمَعَ هَذَا جَوَّزَ التَّوْكِيلَ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ بَعْدَ هَذَا فِي إجَارَةِ الدَّوَابِّ لَوْ أَمَرَهُ بِإِنْفَاقِ بَعْضِ الْأُجْرَةِ عَلَى الدَّابَّةِ عَلَى عَلَفِهَا جَازَ ذَلِكَ وَهُمَا سَوَاءٌ حَتَّى زَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ أَنَّ الْجَوَابَ قَوْلُهُمَا وَفِي الْقِيَاسِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ.
وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ هُنَا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلتَّيْسِيرِ فَالْمُسْتَأْجِرُ لِلْحَمَّامِ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِاسْتِطْلَاعِ رَأْيِ صَاحِبِ الْحَمَّامِ عِنْدَ كُلِّ مَرَّةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ لِلدَّابَّةِ كَذَلِكَ، ثُمَّ قَدْ عَيَّنَ لَهُ الْمَحِلَّ الَّذِي أَمَرَهُ بِصَرْفِ الدَّيْنِ إلَيْهِ فَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ تَعْيِينِ مَنْ يُعَامِلُهُ كَمَا لَوْ أَمَرَ الْمَدِينَ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَى عِيَالِهِ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السَّلَمِ فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ قَدْ أَنْفَقْتهَا عَلَيْهِ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَتِهِ لِأَنَّ الْأَجْرَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَالْمَدِينُ إذَا ادَّعَى قَضَاءَ الدَّيْنِ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَيُسْتَحْلَفُ رَبُّ الْحَمَّامِ عَلَى عَمَلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَإِذَا أَنْكَرَ يُسْتَحْلَفُ لِرَجَاءِ نُكُولِهِ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْلَافَ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ يَكُونُ عَلَى الْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمِينٌ فِي هَذِهِ النَّفَقَةِ وَأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِيهَا لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمَدِينَ ضَامِنٌ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَاشْتِرَاطُ كَوْنِ الضَّامِنِ أَمِينًا مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَكَانَ بَاطِلًا، وَلَوْ جَعَلَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا يَقْبِضُهَا وَنَفَقَتُهَا عَلَى الْحَمَّامِ فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: دَفَعْتهَا إلَيْهِ وَكَذَّبَهُ رَبُّ الْحَمَّامِ فَإِنْ أَقَرَّ الْعَدْلُ بِقَبْضِهَا بَرِئَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُ رَبِّ الْحَمَّامِ فِي الْقَبْضِ فَيَصِحُّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالْقَبْضِ وَيُجْعَلُ كَإِقْرَارِ الْمُوَكِّلِ بِذَلِكَ فَإِنَّ رَبَّ الْحَمَّامِ حِينَ سَلَّطَهُ عَلَى الْقَبْضِ فَقَدْ سَلَّطَهُ عَلَى الْإِخْبَارِ بِهِ، ثُمَّ الْعَدْلُ أَمِينٌ فِيمَا يَصِلُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا يَدَّعِي مِنْ ضَيَاعٍ أَوْ نَفَقَةٍ مَعَ يَمِينِهِ كَالْمُودِعِ، وَإِنْ كَانَ الْعَدْلُ كَفِيلًا بِالْأَجْرِ كَانَ مِثْلَ الْمُسْتَأْجِرِ غَيْرَ مُؤْتَمَنٍ وَلَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ ضَامِنٌ؛ لِمَا الْتَزَمَهُ فِي ذِمَّتِهِ كَالْأَصِيلِ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْحَمَّامِ أَنْ يَمْنَعَهُ بِئْرَ الْمَاءِ وَمَسِيلَ مَاءِ الْحَمَّامِ أَوْ مَوْضِعَ سِرْقِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ مَرَافِقِهِ وَمَجَامِعِهِ، وَلَا يَتِمُّ الِانْتِفَاعُ إلَّا بِهِ فَكَانَ بَيْعًا وَالْبَيْعُ يَصِيرُ مَذْكُورًا بِذِكْرِ الْأَصْلِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَدْخَلِ الْحَمَّامِ وَفِنَائِهِ يَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِدْرِ الْحَمَّامِ فَهِيَ لِرَبِّ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ فِي بِنَائِهِ؛ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهَا يَشْهَدُ لِرَبِّ الْحَمَّامِ فَإِنَّ اتِّخَاذَ الْقِدْرِ وَإِصْلَاحَهُ عَلَيْهِ.
وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْحَمَّامِ أَنْ يُقْعِدَ مَعَ الْمُسْتَأْجِرِ أَمِينًا يَقْبِضُ عَلَيْهِ يَوْمًا بِيَوْمٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ صَارَ أَحَقَّ بِالِانْتِفَاعِ بِتِلْكَ النَّفَقَةِ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْعُدَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ الْحَمَّامِ مِنْ غَلَّةِ الْحَمَّامِ شَيْءٌ إنَّمَا لَهُ أَجْرٌ مُسَمًّى فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَأَمَّا فِي الْغَلَّةِ فَهُوَ وَأَجْنَبِيٌّ آخَرُ سَوَاءٌ.
وَلَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ وَفِي الْحَمَّامِ سِرْقِينٌ كَثِيرٌ وَادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ كَسَائِرِ الْأَمْتِعَةِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ فِيهِ يَشْهَدُ لِلْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ دُونَ رَبِّ الْحَمَّامِ وَيُؤْمَرُ بِنَقْلِهِ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ مَمْلُوكٌ لِرَبِّ الْحَمَّامِ وَلَمْ يَبْقَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيهِ حَقٌّ فَعَلَيْهِ أَنْ يُفَرِّغَ مِلْكَ الْغَيْرِ عَنْ مَتَاعِهِ، وَكَذَلِكَ فِي الرَّمَادِ إذَا كَانَ مُنْتَفَعًا بِهِ فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ لِي وَأَنَا أَنْتَفِعُ بِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنْ يَكُونَ الرَّمَادُ مِنْ عَمَلِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَمَّامِ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ قِبَلَهُ حَقًّا وَهُوَ نَقْلُ ذَلِكَ الرَّمَادِ وَيُفَرِّغُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَهُ بِالْبَيِّنَةِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَوْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ نَقْلَ الرَّمَادِ وَالسِّرْقِينِ وَالْغُسَالَةِ لَمْ يُفْسِدْ ذَلِكَ الْإِجَارَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَ مَسِيلُ الْمَاءِ ظَاهِرًا أَوْ مُسْقَفًا بِخِلَافِ الْبَالُوعَةِ وَالْكِرْبَاسِ وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ بِدُونِ الشَّرْطِ فَلَا يَزِيدُ بِالشَّرْطِ إلَّا وَكَادَةً، وَإِنْ اشْتَرَطَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى رَبِّ الْحَمَّامِ فِي الْإِجَارَةِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُفِيدٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَلَا يَنْقُضُهُ الْعَقْدُ، وَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْبَيْعِ، فَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ.
وَلَوْ قَالَ رَبُّ الْحَمَّامِ لِلْمُسْتَأْجِرِ قَدْ تَرَكْت لَكَ أَجْرَ شَهْرَيْنِ لَمِرَمَّةِ الْحَمَّامِ فَهَذَا لَا يُفْسِدُ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ دَيْنِهِ عَلَى حَمَّامِهِ فَإِنْ قَالَ: قَدْ أَنْفَقْتهَا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَهُوَ نَظِيرُ مَا بَيَّنَّا مِنْ الْعَشَرَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ.
وَإِذَا اسْتَأْجَرَ حَمَّامَيْنِ شُهُورًا مُسَمَّاةً كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا فَانْهَدَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِمَا فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْبَاقِيَ، وَإِنْ انْهَدَمَ بَعْدَ قَبْضِهِمَا فَالْبَاقِي لَهُ لَازِمٌ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ بِقَبْضِ الْحَمَّامِ عَلَى مَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَيْنَ الْمُنْتَفَعَ بِهَا تُقَامُ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَيْهِ، فَكَذَلِكَ فِي إتْمَامِ الصَّفْقَةِ فِي قَبْضِهِ وَتَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ قَبْلَ التَّمَامِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْعَاقِدِ وَبَعْدَ التَّمَامِ لَا يُثْبِتُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدَيْنِ فَهَلَكَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ اُسْتُحِقَّ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْبَاقِي بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقَبْضِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ بَيْتَيْنِ فَانْهَدَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَا خِيَارَ لَهُ فِي الْبَاقِي بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ.
وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ رَبُّ الْحَمَّامِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ طَلَّاءَاتٍ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ؛ لِأَنَّ النُّورَةَ الَّتِي اشْتَرَطَ مَجْهُولَةٌ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهَا وَلَا مِقْدَارُ ثَمَنِهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَضَمُّ الْمَجْهُولِ إلَى الْمَعْلُومِ يُوجِبُ جَهَالَةَ الْكُلِّ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا وَعَبْدًا وَقَبَضَهُمَا فَمَاتَ الْعَبْدُ لَزِمَهُ الْحَمَّامُ بِحِصَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الِانْتِفَاعُ بِالْحَمَّامِ وَبِمَوْتِ الْعَبْدِ لَا يَتَمَكَّنُ فِيهِ نُقْصَانٌ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ تَفَرُّقَ الصَّفْقَةِ بَعْدَ التَّمَامِ لَا يُثْبِتُ لِلْعَاقِدِ حَقَّ الْفَسْخِ، وَإِنْ انْهَدَمَ الْحَمَّامُ وَإِنَّمَا اسْتَأْجَرَ الْعَبْدَ لِيَقُومَ عَلَى الْحَمَّامِ فِي عَمَلِهِ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْعَبْدَ إنْ شَاءَ؛ لِأَنَّ اسْتِئْجَارَ الْعَبْدِ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا كَانَ لِعَمَلِ الْحَمَّامِ وَقَدْ تَعَذَّرَ بِانْهِدَامِ الْحَمَّامِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ فِي الْعَبْدِ كَمَا اسْتَأْجَرَ الرَّحَا مَعَ الثَّوْرِ لِيَطْحَنَ بِهِ فَانْهَدَمَ الرَّحَا؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ الْخِيَارُ فِي الثَّوْرِ؛ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ حَمَّامَيْنِ فَانْهَدَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُودٌ، وَمَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ مَنْفَعَةُ أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِمَنْفَعَةِ الْآخَرِ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا وَاحِدًا فَانْهَدَمَ مِنْهُ بَيْتٌ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ بَعْضِ بُيُوتِ الْحَمَّامِ مُتَّصِلٌ بِالْبَعْضِ وَبَعْدَ مَا انْهَدَمَ بَعْضُ الْبُيُوتِ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْبَاقِي مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ قَبْلُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْحَمَّامَ بِأَجْرٍ وَأَعْطَى ثِيَابَهُ لِصَاحِبِ الْحَمَّامِ يَحْفَظُهَا لَهُ فَضَاعَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا هَكَذَا رُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْحَمَّامِ فِي الثِّيَابِ أَمِينٌ كَالْمُودَعِ فَإِنَّ مَا يَأْخُذُهُ لَيْسَ بِأَجْرٍ عَلَى حَفِظَ الثِّيَابِ وَلَكِنَّهُ غَلَّةُ الْحَمَّامِ وَإِنَّمَا حُبِسَ لِجَمْعِ الْغَلَّةِ لَا لِحِفْظِ ثِيَابِ النَّاسِ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا، فَأَمَّا الثِّيَابِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَحْفَظُ ثِيَابَ النَّاسِ بِأَجْرٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ فِي الْحِفْظِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا سَرَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ، وَإِنْ لَبِسَ إنْسَانٌ ثَوْبَ الْغَيْرِ بِمَرْأَى الْعَيْنِ مِنْهُ فَلَمْ يَمْنَعْهُ؛ لِأَنَّ ظَنَّهُ صَاحِبَ الثَّوْبِ فَهُوَ ضَامِنٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلِأَنَّهُ مُضَيِّعٌ تَارِكٌ لِلْحِفْظِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِظَنِّهِ وَلَوْ دَخَلَ الْحَمَّامَ بِدَانَقٍ عَلَى أَنْ يُنَوِّرَهُ صَاحِبُ الْحَمَّامِ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ؛ لِجَهَالَةِ قَدْرِ مَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي النُّورَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَلَكِنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ النَّاسِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَعْطَاهُ فَلْسًا عَلَى أَنْ يَدْخُلَ الْحَمَّامَ فَيَغْتَسِلَ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ لِجَهَالَةِ مِقْدَارِ مُكْثِهِ وَمِقْدَارِ مَا يَصُبُّ مِنْ الْمَاءِ لَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ وَجَوَّزَهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ النَّاسِ وَقَدْ اسْتَحْسَنُوهُ وَقَدْ قَالَ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ وَلِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ إعْلَامِ مِقْدَارِ ذَلِكَ حَرَجًا وَالْحَرَجُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا.
رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ حَمَّامًا سَنَةً بِغَيْرِ قِدْرٍ وَاسْتَأْجَرَ الْقِدْرَ مِنْ غَيْرِهِ فَانْكَسَرَتْ الْقِدْرُ وَلَمْ يَعْمَلْ فِي الْحَمَّامِ شَهْرًا فَلِصَاحِبِ الْحَمَّامِ أُجْرَةٌ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الْحَمَّامَ إلَيْهِ كَمَا الْتَزَمَهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْمُسْتَأْجِرُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِأَنْ يَسْتَأْجِرَ قِدْرًا آخَرَ فَعَلَيْهِ الْأَجْرُ لِرَبِّ الْحَمَّامِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْقِدْرُ لِرَبِّ الْحَمَّامِ فَانْكَسَرَتْ فَإِنَّ هُنَاكَ الْمُسْتَأْجِرَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الِانْتِفَاعِ كَمَا اسْتَحَقَّهُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ مَا لَمْ يُصْلِحْ رَبُّ الْحَمَّامِ قِدْرَهُ وَلَا أَجْرَ لِصَاحِبِ الْقِدْرِ مِنْ يَوْمِ انْكَسَرَتْ لِزَوَالِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْقِدْرِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ انْكَسَرَتْ مِنْ عَمَلِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ الْمُعْتَادِ، وَلِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْقِدْرِ مُسَلَّطٌ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْقِدْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

.بَابُ إجَارَةِ الرَّاعِي:

(قَالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِذَا اسْتَأْجَرَ رَاعِيًا يَرْعَى لَهُ غَنَمًا مَعْلُومًا مُدَّةً مَعْلُومَةً فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَعْلُومٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، ثُمَّ الرَّاعِي قَدْ يَكُونُ أَجِيرَ وَاحِدٍ وَقَدْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ رَبُّ الْغَنَمِ أَنْ لَا يَرْعَى غَنَمَهُ مَعَ غَنَمِ غَيْرِهِ فَهُوَ جَائِزٌ) لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ بِهَذَا الشَّرْطِ أَجِيرَ وَاحِدٍ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنَافِعُهُ فِي الْمُدَّةِ، وَالشَّرْطُ الَّذِي يُبَيِّنُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَا يَزِيدُ الْعَقْدَ إلَّا وَكَادَةً فَإِنْ مَاتَ مِنْهَا شَاةٌ لَمْ يَضْمَنْهَا؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ الْغَنَمِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ بِحِسَابِهَا لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنَافِعُهُ وَبِهَلَاكِ بَعْضِ الْغَنَمِ لَا يَتَمَكَّنُ النُّقْصَانُ مِنْ مَنَافِعِهِ وَلَا فِي تَسْلِيمِهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْعَى مَعَهَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ صَارَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْأَوَّلِ فَلَا يَمْلِكُ إيجَابَ الْحَقِّ فِيهَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَلَوْ ضَرَبَ مِنْهَا شَاةً فَفَقَأَ عَيْنَهَا كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ صَاحِبُهَا بِضَرْبِهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهَا بِضَرْبَتِهِ وَلَوْ سَقَاهَا مِنْ نَهْرٍ فَغَرِقَتْ شَاةٌ مِنْهَا لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي سَقْيِهَا وَمَا تَلِفَ بِالْعَمَلِ الْمَأْذُونِ فِيهِ لَا يَضْمَنُ أَجِيرُ الْوَاحِدِ كَمَا فِي الدِّقِّ وَكَذَلِكَ لَوْ عَطِبَتْ مِنْهَا شَاةٌ فِي الْمَرْعَى أَوْ أَكَلَهَا سَبُعٌ وَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا هَلَكَ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ وَلَوْ هَلَكَ مِنْ الْغَنَمِ نِصْفُهَا أَوْ أَكْثَرُ كَانَ لَهُ الْأَجْرُ تَامًّا مَا دَامَ يَرْعَاهَا؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِذَلِكَ الْعَمَلِ؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الرَّاعِي مُشْتَرَكًا يَرْعَى لِمَنْ شَاءَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِمَا يَهْلِكُ بِفِعْلِهِ مِنْ سِبَاقٍ أَوْ سَقْيٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ ضَامِنٌ لِمَا جَنَتْ يَدُهُ، وَإِنْ لَمْ يُخَالِفْ فِي إقَامَةِ الْعَمَلِ ظَاهِرًا كَمَا فِي الْقَصَّارِ إذَا دَقَّ الثَّوْبَ فَتَخَرَّقَ وَمَا هَلَكَ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ بِمَوْتٍ أَوْ سَرِقَةٍ مِنْ غَيْرِ تَضْيِيعٍ أَوْ أَكْلِ سِبَاعٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ هُوَ ضَامِنٌ بِجَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا الْمَوْتَ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَلَكِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِنْ الْمَوْتِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تُقَامُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَلَى أَصْلِهِمَا الْقَبْضَ فِي حَقِّ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ يُوجِبُهُ ضَمَانُ الْعَيْنِ عَلَيْهِ فَدَعْوَاهُ الْمَوْتَ بَعْد ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ دَعْوَى الرَّدِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَدَّعِي مَا يُسْقِطُ الضَّمَانَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يُصَدَّقُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْغَاصِبِ وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ ضَمَانَ مَا هَلَكَ مِنْ فِعْلِهِ لَمْ يُفْسِدْ ذَلِكَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَلَا يَزِيدُهُ الشَّرْطُ وَإِلَّا وَكَادَةً، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ ضَمَانَ مَا مَاتَ فَالْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ وَلِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ بِهَذَا الشَّرْطِ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَهُوَ الْحِفْظُ عَنْ الْمَوْتِ وَاشْتِرَاطُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِ الْعَاقِدِ فِي الْعَقْدِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فِيمَا سَرَقَ مِنْ غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ يَأْكُلُهُ السَّبُعُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُفْسِدُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ وَعِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَإِذَا كَانَ الرَّاعِي أَجِيرَ وَاحِدٍ فَاشْتِرَاطُ هَذَا عَلَيْهِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِدُونِ الْخِلَافِ وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ بَاطِلٌ وَبِبُطْلَانِ الشَّرْطِ يَبْطُلُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، وَإِذَا أَتَى الرَّاعِي الْمُشْتَرَكُ بِالْغَنَمِ إلَى أَهْلِهَا فَأَكَلَ السَّبُعُ مِنْهَا شَاةً وَهِيَ فِي مَوْضِعِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِتَسْلِيمِهَا إلَى أَهْلِهَا يَخْرُجُ مِنْ عُهْدَتِهَا وَلِأَنَّ عَلَيْهِ عَمَلَ الرَّعْيِ وَقَدْ انْتَهَى ذَلِكَ حِينَ أَتَى بِهَا إلَى أَهْلِهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا يَعْطَبُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَبْعَثَ الْغَنَمَ مَعَ غُلَامِهِ وَأَجِيرِهِ وَوَلَدِهِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا فِي عِيَالِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُشْتَرَكًا أَوْ خَاصًّا؛ لِأَنَّ يَدَ هَؤُلَاءِ فِي الْحِفْظِ وَالرَّعْيِ أَكِيدَةٌ، وَكَذَلِكَ فِي الرَّدِّ وَهَذَا بِالْعُرْفِ فَإِنَّ الرَّاعِيَ يَلْتَزِمُ حِفْظَ الْغَنَمِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ غَنَمَ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ بِيَدِهِ تَارَةً وَبِيَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ تَارَةً وَإِذَا اسْتَأْجَرَ رَاعِيًا شَهْرًا لِيَرْعَى لَهُ فَأَرَادَ الرَّاعِي أَنْ يَرْعَى لِغَيْرِهِ بِأَجْرٍ فَلِرَبِّ الْغَنَمِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِذِكْرِ الْمُدَّةِ وَذَكَرَ الْمُدَّةَ لِتَقْدِيرِ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنَافِعُهُ فَيَكُونُ أَجِيرًا لَهُ خَاصًّا فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ رَبُّ الْغَنَمِ بِمَا فَعَلَهُ حَتَّى رَعَى لِغَيْرِهِ فَلَهُ الْأَجْرُ عَلَى الثَّانِي وَيَطِيبُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْأَوَّلِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ مَقْصُودُ الْأَوَّلِ بِكَمَالِهِ وَتَحَمَّلَ زِيَادَةَ مَشَقَّةٍ فِي الرَّعْيِ لِغَيْرِهِ فَمَا يَأْخُذُ مِنْ الثَّانِي عِوَضَ عَمَلِهِ فَيَكُونُ طَيِّبًا لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الظِّئْرِ وَلَوْ كَانَ يَبْطُلُ مِنْ الشَّهْرِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ لَا يَرْعَاهَا حُوسِبَ بِذَلِكَ مِنْ أَجْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ بَطَالَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ مَنَافِعِهِ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ فِي مُدَّةِ الْبَطَالَةِ سَوَاءٌ كَانَ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ.
وَلَوْ سَأَلَ رَاعِيًا أَنْ يَرْعَى غَنَمَهُ هَذِهِ بِدَرَاهِمَ فِي الشَّهْرِ أَوْ قَالَ: شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ لَهُ أَنْ يَرْعَى لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَدَأَ بِذِكْرِ الْعَمَلِ بَيَّنَ مِقْدَارَ عَمَلِهِ بِبَيَانِ مَحِلِّهِ وَهُوَ الْغَنَمُ عَرَفْنَا أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ دُونَ مَنَافِعِهِ فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا سَوَاءٌ رَعَى لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَرْعَ، وَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْعَى مَعَهَا شَيْئًا غَيْرَهَا كَانَ جَائِزًا وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي أَنَّهُ أَجِيرُ وَاحِدٍ لِأَنَّا إنَّمَا جَعَلْنَاهُ مُشْتَرَكًا اسْتِدْلَالًا بِالْبِدَايَةِ بِذِكْرِ الْعَمَلِ وَسَقَطَ اعْتِبَارُ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ إذَا صَرَّحَ بِخِلَافِهِ بِالشَّرْطِ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ غَنَمَهُ يَرْعَاهَا عَلَى أَنَّ أَجْرَهُ أَلْبَانُهَا وَأَصْوَافُهَا فَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَإِعْلَامُ الْأَجْرِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ جُبْنًا مَعْلُومًا وَسَمْنًا لِنَفْسِهِ وَمَا بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلرَّاعِي فَهُوَ كُلُّهُ فَاسِدٌ، وَالرَّاعِي ضَامِنٌ؛ لِمَا أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مِلْكَ الْغَيْرِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ الْمُنْفَصِلَةَ تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَامَ الْعَمَلَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَلَوْ أَنَّ رَاعِيًا مُشْتَرَكًا خَلَطَ غَنَمًا لِلنَّاسِ بَعْضًا بِبَعْضٍ وَلَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ أَهْلُهَا فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الرَّاعِي مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ، وَالْقَوْلُ فِي تَعْيِينِ الْمَقْبُوضِ قَوْلُ الْقَابِضِ أَمِينًا كَانَ أَوْ ضَمِينًا كَالْمُودَعِ مَعَ الْغَاصِبِ فَإِنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لَقِيمَةِ الْغَنَمِ كُلِّهَا لِأَهْلِهَا؛ لِأَنَّ الْخَلْطَ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ التَّمَيُّزُ اسْتِهْلَاكٌ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ مِلْكِهِ وَبِمِثْلِ هَذَا الْخَلْطِ يَكُونُ الرَّاعِي ضَامِنًا وَتَكُونُ الْغَنَمُ لَهُ بِالضَّمَانِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي قِيمَتِهَا يَوْمَ خَلَطَهَا؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ فَالْقَوْلُ فِي مِقْدَارِهِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ كَالْغَاصِبِ وَإِنْ كَانَ الرَّاعِي مُشْتَرَكًا يَرْعَى فِي الْجِبَالِ فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْغَنَمِ أَنْ يَأْتِيَهُ.
بِسِمَةِ مَا يَمُوتُ مِنْهَا وَإِلَّا فَهُوَ ضَامِنٌ فَهَذَا الشَّرْطُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَمُوتُ فِي مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِسِمَتِهَا وَقَدْ يَفْتَعِلُ فِيمَا يَأْتِي مِنْ السِّمَةِ بِأَنْ يَأْكُلَ بَعْضَ الْغَنَمِ، ثُمَّ يَأْتِي بِسِمَتِهِ وَيَقُولُ: قَدْ مَاتَ فَإِنَّ السِّمَةَ لَا تَخْتَلِفُ بِالذَّبْحِ وَالْمَوْتِ فَعَرَفْنَا أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ غَيْرُ مُفِيدٍ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالسِّمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فِي الْعَيْنِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا هُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ أَتَى بِالسِّمَةِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوْتِ وَلَا يَسَعُ الْمُصَدِّقَ أَنْ يُصَدِّقَ غَنَمًا مَعَ الرَّاعِي حَتَّى يَحْضُرَ صَاحِبُهَا؛ لِأَنَّ الْمُصَدِّقَ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ، وَالزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ وَيَتَأَدَّى بِأَدَائِهِ وَنِيَّتِهِ وَالرَّاعِي فِي ذَلِكَ لَيْسَ بِنَائِبٍ عَنْهُ فَإِنْ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ الزَّكَاةَ مِنْ الرَّاعِي فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّاعِيَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَنْ يَمْنَعَ الْمُصَدِّقَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي حَقِّهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ، وَإِنْ خَافَ الرَّاعِي عَلَى شَاةٍ مِنْهَا فَذَبَحَهَا فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهَا يَوْمَ ذَبَحَهَا؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَبْحِهَا بَلْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عِدَّةِ مَا سَلَّمَهُ إلَى الرَّاعِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاعِي لِإِنْكَارِهِ قَبْضَ الزِّيَادَةِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْغَنَمِ لِإِثْبَاتِهِ الزِّيَادَةَ بِبَيِّنَتِهِ، ثُمَّ يَكُونُ ضَامِنًا لِلْفَضْلِ بِجُحُودِهِ وَلَيْسَ لِلرَّاعِي أَنْ يَسْقِيَ مِنْ أَلْبَانِ الْغَنَمِ وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَبِيعُ وَلَا يُقْرِضُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالرَّعْيِ وَهَذَا لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الرَّعْيِ فَهُوَ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ فَيَكُونُ ضَامِنًا إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ أَنَّ رَبَّ الْغَنَمِ بَاعَ نِصْفَ غَنَمِهِ، فَإِنْ كَانَ اسْتَأْجَرَ الرَّاعِيَ شَهْرًا عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ لَمْ يَحُطَّهُ مِنْ الْأَجْرِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنَافِعُهُ وَإِنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهِ فِي الْمُدَّةِ وَلَوْ أَرَادَ رَبُّ الْغَنَمِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْغَنَمِ مَا يُطِيقُ الرَّاعِي كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَنَافِعِهِ فِي الْمُدَّةِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدِهِ فِي ذَلِكَ يَسْتَعْمِلُهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ شَهْرًا يَرْعَى لَهُ هَذِهِ الْغَنَمَ بِأَعْيَانِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ إذَا كَانَ مُفِيدًا يَجِبُ اعْتِبَارُهُ، وَالتَّعْيِينُ فِي حَقِّ الرَّاعِي مُفِيدٌ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ عَلَيْهِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَدَدِ الْغَنَمِ فَهُوَ مَا الْتَزَمَ إلَّا رَعْيَ مَا عَيَّنَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَا يَكُونُ لِرَبِّ الْغَنَمِ أَنْ يُكَلِّفَهُ شَيْئًا آخَرَ كَمَا لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ عَمَلًا آخَرَ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ: لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَنَافِعُهُ؛ فَإِنَّهُ بَدَأَ بِذِكْرِ الْمُدَّةِ وَتَعْيِينُهُ الْأَغْنَامَ لِبَيَانِ مَا قَصَدَ مِنْ تَمَلُّكِ مَنَافِعِهِ بِالْإِجَارَةِ لَا لِقَصْرِ حُكْمِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ فَإِذَا بَقِيَتْ مَنَافِعُهُ بَعْدَ هَذَا التَّعْيِينِ مُسْتَحَقَّةً لِرَبِّ الْغَنَمِ كَانَ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ فِي ذَلِكَ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ وَلَكِنْ لَا يُكَلَّفُ عَمَلًا آخَرَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ مَقْصُودُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَهُوَ الرَّعْيُ فَمَا لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الرَّعْيِ لَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي حُكْمِ الْعَقْدِ، ثُمَّ قَالَ: أَرَأَيْت لَوْ وَلَدَتْ الْغَنَمُ أَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْعَى أَوْلَادَهَا مَعَهَا وَالْقِيَاسُ وَالِاسْتِحْسَانُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ كَشَاةٍ أُخْرَى وَلَكِنْ مِنْ عَادَتِهِ الِاسْتِشْهَادُ بِالْأَوْضَحِ فَالْأَوْضَحُ وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْجِرْهُ شَهْرًا وَلَكِنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ غَنَمًا مُسَمَّاةً عَلَى أَنْ يَرْعَى لَهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا شَاةً؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُنَا عَمَلُ الرَّعْيِ وَإِنَّمَا الْتَزَمَ إقَامَةَ الْكُلِّ فِي الْمَحِلِّ الَّذِي عَيَّنَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَإِنْ بَاعَ مِنْهَا طَائِفَةً فَإِنَّهُ يُنْقِصُهُ مِنْ الْأَجْرِ بِحِسَابِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ لَمَّا كَانَ هُوَ الْعَمَلَ فَإِنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِقَدْرِ مَا يُقِيمُ مِنْ الْعَمَلِ كَالْخَيَّاطِ وَالْقَصَّارِ وَإِذَا وَلَدَتْ الْغَنَمُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْعَى أَوْلَادَهَا مَعَهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ بَعْدَ الِانْفِصَالِ فِي عَمَلِ الرَّعْيِ كَشَاةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ حِينَ دَفَعَ الْغَنَمَ إلَيْهِ أَنْ يُوَلِّدَهَا وَيَرْعَى أَوْلَادَهَا مَعَهَا فَهُوَ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ، وَإِعْلَامُهُ بِبَيَانِ مَحِلِّهِ وَهُنَا مَحَلُّ الْعَمَلِ مَجْهُولٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا تَلِدُ مِنْهَا وَكَمْ تَلِدُ وَجَهَالَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مُفْسِدَةٌ لِلْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ فَأَجَازَهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلُ النَّاسِ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْجَهَالَةَ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا، وَالْجَهَالَةُ بِعَيْنِهَا لَا تُفْسِدُ الْعَقْدَ فَكُلُّ جَهَالَةٍ لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَهِيَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ وَالْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْخَيْلُ وَالْحَمِيرُ وَالْبِغَالُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَالْغَنَمِ، وَلَيْسَ لِلرَّاعِي أَنْ يُنْزِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا بِغَيْرِ أَمْرِ رَبِّهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الرَّاعِي فَهُوَ فِيهِ كَالْأَجْنَبِيِّ ضَامِنٌ؛ لِمَا يَعْطَبُ مِنْهَا إنْ فَعَلَهُ وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ الرَّاعِي وَلَكِنَّ الْفَحْلَ الَّذِي فِيهَا نَزَا عَلَى بَعْضِهَا فَعَطِبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْغَنَمِ قَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ حِينَ خَلَطَ الْفَحْلَ بِالْإِنَاثِ مِنْ غَنَمِهِ وَالرَّاعِي لَا يُمْكِنُهُ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ نَدَّتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فَخَافَ الرَّاعِي إنْ بَاعَ مَا نَدَّ مِنْهَا أَنْ يَضِيعَ مَا بَقِيَ فَهُوَ فِي سَعَةٍ فِي تَرْكِ مَا نَدَّ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّتَيْنِ فَيَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ مَا نَدَّ مِنْهَا كَانَ مُضَيِّعًا؛ لِمَا بَقِيَ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ هَلْ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ مَا نَدَّ أَوْ لَا يَقْدِرُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ مَا فِي يَدِهِ فَلِهَذَا كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا نَدَّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ ضَاعَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَهُوَ فِي تَرْكِ اتِّبَاعِهِ مُقْبِلٌ عَلَى حِفْظِ مَا بَقِيَ وَلَيْسَ بِمُضَيَّعٍ؛ لِمَا نَدَّ وَهُوَ ضَامِنٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَجِيءُ بِتِلْكَ الْوَاحِدَةِ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا لَمْ يَأْمُرْهُ بِالِاسْتِئْجَارِ وَكَذَلِكَ إنْ تَفَرَّقَتْ فِرَقًا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى اتِّبَاعِهَا كُلِّهَا فَأَقْبَلَ عَلَى فِرْقَةٍ مِنْهَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهَا فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إقْبَالٌ عَلَى حِفْظِ مَا هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ حِفْظِهِ فَهَذَا وَمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ فَإِنْ كَانَ الرَّاعِي أَجِيرًا مُشْتَرَكًا فَرَعَاهَا فِي بَلَدٍ فَعَطِبَتْ فَقَالَ: صَاحِبُهَا إنَّمَا اشْتَرَطْتُ عَلَيْكَ أَنْ تَرْعَاهَا فِي مَوْضِعٍ غَيْرَ ذَلِكَ وَقَالَ الرَّاعِي بَلْ شَرَطْتَ عَلَيَّ هَذَا الْمَوْضِعَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ السَّائِمَةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ أَنْكَرَهُ أَصْلًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةَ الرَّاعِي؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ الْإِذْنَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِبَيِّنَتِهِ، ثُمَّ لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِمَا هُوَ ضَامِنٌ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوْتِ، وَإِنْ كَانَ أَجِيرًا خَاصًّا لَمْ يَضْمَنْ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا إلَّا أَنْ يُخَالِفَ وَلَا أَجْرَ لِلرَّاعِي إذَا خَالَفَ بَعْدَ أَنْ تَعْطَبَ الْغَنَمُ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ ضَامِنٌ وَبِالضَّمَانِ يَتَمَلَّكُ الْمَضْمُونَ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ فِي الرَّعْيِ كَانَ عَامِلًا لِنَفْسِهِ فَلَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ سَلِمَتْ الْغَنَمُ اسْتَحْسَنْتُ أَنْ أَجْعَلَ لَهُ الْأَجْرَ لِحُصُولِ مَقْصُودِ رَبِّ الْغَنَمِ وَهُوَ الرَّعْيُ مَعَ سَلَامَةِ أَغْنَامِهِ وَهُوَ بِتَعْيِينِ ذَلِكَ الْمَكَانِ مَا قَصَدَ إلَّا هَذَا فَإِذَا حَصَلَ لَهُ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي مَكَان وَجَبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.